Tuesday, January 10, 2012

كاميليا جبران - غريبة



Uploaded by on Mar 1, 2011

من الموسيقيين العرب القلائل أصحاب مشاريع موسيقية (غنائية تحديداً) مختلفة وذات قيمة فنية عالية. بدأت كاميليا الرحلة مبكراً جداً منذ ولادتها عام 1963 في بيت لعائلة من (عرب 48) بالجليل، وكان والدها "إلياس جبران" معلم الموسيقى وصانع الآلات الموسيقية أستاذها الأول، الذي أخذت عنه الألحان والأغاني العربية الكلاسيكية، إلى جانب تعلمها العزف على العود والقانون، وإجادتها لمهارات الغناء العربي بمساعدة صوت قوي وعريض وذي شخصية مميزة.

تأثرت كاميليا لاحقاً بالتجارب الموسيقية لأسماء مثل "أحمد قعبور"، "مارسيل خليفة" و"الشيخ إمام عيسى" وغيرهم من أصحاب التجارب الغنائية الوطنية المتميزة، في وقت زاد فيه وعيها بهويتها كفلسطينية عربية تعيش على أرض محتلة، وتحمل جواز سفر اسرائيلي.

في أوائل الثمانينيات أصبحت كاميليا المغنية الرئيسية لفريق "صابرين" الذي أسسه الموسيقي الفلسطيني "سعيد مراد" في القدس المحتلة، وطوال عشرين عاماً كانت تجربة "صابرين" إحدى أهم التجارب الغنائية العربية المعاصرة، والتي كانت كاميليا عموداً رئيسياً بها غناءاً وتلحيناً وعزفاً.

تخطى الفريق بألبوماته الأربعة المفهوم التقليدي للأغنية الوطنية، باختيارات مميزة لمجموعة من الشعراء الفلسطينيين الكبار أمثال "محمود درويش"، "سميح القاسم"، و"فدوى طوقان"، وشاعريْن من مصر ولبنان هما "سيد حجاب" و"طلال حيدر"، صاحبت أشعار هؤلاء موسيقى غنية وبسيطة، بها من الطرب غير المفتعل على قدر ما بها من التجديد، ولم يحاولوا في الوقت نفسه كسر عنصر (اللحن melody)، بل حافظوا عليه بسيطاً مستساغاً.

ا


"وميض" اسم الألبوم الذي أصدرته كاميليا جبران في سويسرا العام الماضي بالتعاون مع موسيقي سويسري متخصص في الموسيقى الالكترونية هو "فيرنر هاسلر". هذه المرة خرجت كاميليا تماماً من عباءة "صابرين"، بل ومن أي عباءة أخرى في الغناء العربي، لتبدع تجربة غنائية خاصة بها ومختلفة تماماً شكلاً ومضموناً.

اختيارات النصوص كانت بداية الثورة. بنصوص شعرية ونثرية لجبران خليل جبران، بول شاؤول، فاضل العزاوي، وعائشة أرناؤوط، و اليوناني ديمتريس أناليس، صاغت كاميليا شكلاً جديداً لأغنية عربية خارج القوالب التقليدية للأغاني العربية شعراً ولحناً، كاسرة قيود الوزن والقافية -- إن اعتبرناها قيوداً -- ومستعيدة روح الموّال وأشكال الارتجال، مع وجود الإيقاع الداخلي المتغير كأنفاس شخص يجري بسرعات مختلفة أو شخص تعتريه مشاعر متباينة في الوقت نفسه.

(الغربة في الوطن والمدينة والإنسانية، الاختلاف والقهر، الهروب والشتات وأحلام العودة، التغير عبر سنوات العمر، التواصل مع الناس ومع نظام الكون)، مجرد أمثلة لعشرات التفاصيل التي تمتلئ بها أغاني الألبوم، أغاني ليست بسيطة في معانيها قياساً بتجاربها السابقة، ومعاني انفعلت بها كاميليا عبر النغمات والأداء كما ينبغي.

بصوتها الفذ و عودها الوحيد وخلفيات الموسيقى الالكترونية للسويسري "هاسلر"، خرجت موسيقى "وميض". الموسيقى أجدها متسقة جداً مع روح الأغاني، بتعبيرها الصريح عن كل هذه المعادن والأسلاك التي تملأ تفاصيل حياتنا وتفصلنا عن أنفسنا وعن الآخرين، لم تمنعني الخلفيات الالكترونية من الاستمتاع بتجليات كاميليا الصوتية الجريئة الشرسة، والمطربة في الوقت نفسه

No comments:

Post a Comment